كتبهااحلام ، في 26 سبتمبر 2008
الساعة: 22:08 م
تبادلت المرأتان نظرات
باردة,وهما على مائدة العشاء,فيما ظل الرجل صامتا,لايثرثر كعادته كل مساء.
تناولت
العجوزالخبزة السمراء,قطعتها بيدين خشنتين,ووضعت القطع على أطراف
المائدة,ثم بدأت تغمس لقيماتها,في العجة قبل التهامها.
تناول الزوج
طعامه بهدوء,وهو ينقل بصره بين زوجته المترهلة,ذات العينين الحادتين
المترصدتين , واللسان السليط كسوط ,وابنتها الفتية التي نشأت في كنفه,منذ
رآها على كتف أمها ذات يوم.
توقفت لقمة في حلقه,حتى كادت تخنقه, عندما
التقى بالنظرة الزجاجية,المصوبة إليه ,تصور أن حدسها ينبئها بما يدور في
أعماقه.شرب جرعة ماء,ثم انصرف لينام.
لم تعلق حفيظة ,واستمرت في مضغ
طعامها غيرآبهة لابنتها ,التي لم تأكل شيئا.
كانت الفتاة شاردة,تنظر في
الفراغ, تتدافع في رأسها أفكار كثيرة ,ويخفق قلبها بقوة بين ضلوعها,كلما
تصورت نفسها بعيدة عن امها الجالسة باطمئنان إلى المائدة الصغيرة.
لاتتذكر
والدها,الذي انسحب من حياتها مبكرا ,لكنها ولسبب غامض,تتذكر يوم زواج
حفيظة ـ كما تعودت أن تناديهاـ من عمر ,الذي لم تعرف أبا سواه. شعرت
بالشفقة على أمها العجوز,لكنها سرعان ما أحست بوخزة مؤلمة,عندما رمتها هذه
بنظرة ساخرة:
ـ لم تأكلي شيئا,أتمنى أن أعرف بم تفكرين طوال الوقت
ياعزة؟
ـ لاشيء,سأذهب لأنام.
ـ ابقي قليلا إلى جانبي يا صغيرتي
الحبيبة.
استفزتها النظرة المتوسلة,فردت بخشونة:
ـ أشعر
بالنعاس,دعيني أذهب.
لم تجب الأم,لكنها وضعت يدها على الشعر الطويل
بحنان,فيما ظلت الفتاة جامدة.
تمنت في تلك اللحظة ,أن تقتل العجوز ,حتى
لا ترى العاطفة الجياشة ,التي تذكرها بالطفولة,و بليالي الشتاء في أحضانها
الدافئة.تبادلتا بضع كلمات دون أن تفصح أي منهما عن مكنوناتها للأخرى,قامت
المرأة متثاقلة إلى النوم,فيما بقيت الفتاة مستيقظة,تفكربالزوجين النائمين
خلف جدارالغرفة,تستعرفي نفسها نيران عذاب
جهنمي
قررت أن
تعدل عن خطتها,لكن الوشوشات المتسللة عبرالجدران,ألهبت جنونها,وحبها الشاذ
لعمر. فكرت مرارا في لحظاتهما الحميمية بقتل أمها,لكنهاأبدا لم
تستطع,فانتقمت لعجزها بمعاشرة الكهل على فراشهما.
نامت حفيظة ملء
جفونها,رغم قلقها على صغيرتها,وحلمت أحلاما جميلة,واستيقظت في الصباح
نشيطة,لم تجد عمر فاعتقدت أنه خرج للعمل مبكرا كالعادة,ذهبت إلى الغرفة
الصغيرة,لتوقظ عزة فوجدتها فارغة.
انتظرت طويلا عودة الابنة والزوج,خطرت
لها فجأة خاطرة غريبة,بحثت في كل أجزاء المنزل المتواضع,دون أن
تعثرلأغراضهما على أي أثر, مشت على غيرهدى,استلقت على السرير,جففت
دموعها,واستسلمت للظلام.